وسط غضب حقوقي.. ثغرة قانونية تسمح بتسجيل قاصرين للزواج في إيران
وسط غضب حقوقي.. ثغرة قانونية تسمح بتسجيل قاصرين للزواج في إيران
كشفت صحيفة شرق الإيرانية في تحقيق موسع عن ثغرة صادمة في إحدى المنصات الرقمية المرخصة للبحث عن شريك حياة داخل إيران، فقد أظهر التحقيق أن منصة آدم وحواء، التي تقدم نفسها بوصفها وسيطاً رسمياً للزواج، تسمح بتسجيل أطفال دون الثالثة عشرة بهدف إدراجهم بوصفهم مرشحين للزواج، من دون أي ضوابط عمرية فعالة أو اشتراطات تحقق واضحة، وتحوّل الاكتشاف إلى محور جدل واسع لأنه يعيد طرح أسئلة ملحة حول وضع الطفولة في إيران وطبيعة القوانين التي تحكم موضوع الزواج المبكر.
وأوضح التحقيق المنشور يوم الأحد، وفق شبكة "إيران إنترناشيونال"، أن عملية التسجيل داخل المنصة لا تتطلب إثبات عمر أو هوية، ولا تفرض أي قيود قانونية على إنشاء حسابات للأطفال، ونجح فريق الصحيفة في تسجيل فتاة من مواليد عام 2012 في المنصة بسهولة تامة، ما أكد أن النظام الداخلي يسمح عملياً بتسجيل أطفال في الثانية عشرة أو أقل، سواء عبرهم مباشرة أو من خلال أولياء أمورهم، وأظهرت مراجعة ملفات المستخدمين وجود نسبة كبيرة من القاصرين بين أربع عشرة وست عشرة سنة، خصوصاً في المناطق الفقيرة التي تنتشر فيها ظاهرة الزواج المبكر بصورة عليا مقارنة بالمراكز الحضرية الكبرى.
استمارات تفصيلية
ضم نموذج تسجيل المنصة نحو ثمانين سؤالاً، تدور حول الالتزام الديني والأدوار الجندرية والزينة والمواقف السياسية والاجتماعية، في حين غابت تماماً الأسئلة الموجهة إلى تقييم قدرة القاصر على اتخاذ القرار أو الاهلية النفسية والعاطفية أو مفهوم الموافقة، ويرى خبراء أن غياب هذه الأسئلة يؤشر إلى توجه يركز على التوافق الاجتماعي والفقهي أكثر من تركيزه على حماية الطفل أو ضمان حقوقه الأساسية، ما يترك القاصرين بلا حماية تذكر من الاندفاع نحو زواج أطفال غير اختياري في كثير من الأحيان.
وفي مواجهة الانتقادات، دافع المدير التنفيذي للمنصة محمد حسين أصغري عن سياسات التسجيل المعتمدة، مشيراً إلى أن القوانين الإيرانية نفسها تتيح تسجيل من هم ضمن السن القانونية للزواج، وأكد أن المادة 1041 من القانون المدني تحدد سن الزواج بثلاثة عشر عاماً للفتيات وخمسة عشر عاماً للفتيان، وأن المنصة لذلك ملزمة بقبولهم ما دام القانون يسمح بذلك.
وذكر أصغري أن ما يقرب من ثلاثمئة ألف شخص حاولوا التسجيل في المنصة، وأن سبعين ألفاً منهم يملكون حالياً ملفات نشطة بعد التحقق من الهوية والفحوص النفسية التي تقول المنصة إنها تجريها بشكل دوري. وأوضح أن الأطفال دون الخامسة عشرة يجب أن يسجلوا عبر أولياء أمورهم وأن العاملين في المنصة يجرون مقابلة مباشرة مع الطفل قبل قبول عضويته.
تحذيرات حقوقية
وعلى الرغم من تأكيدات المنصة، يرى خبراء في شؤون الطفولة أن ما يحدث يشكل توسعاً خطيراً في ممارسة الزواج المبكر، إذ يضع الأطفال في قلب عملية منظمة رقمية يمكن أن تزيد من سرعة اتخاذ قرارات مصيرية لا يملكون الأهلية الكافية لها.
وقالت المتخصصة في علم النفس منصورة شهنازري للصحيفة إن زواج الأطفال بين سن العاشرة والسادسة عشرة يترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة ويعرض القاصرين لصدمات مستمرة، ويضاعف مخاطر العنف داخل الأسرة، ويؤثر سلباً في مستقبلهم التعليمي وقدرتهم على الاندماج في المجتمع. وأشارت إلى أن القاصر، سواء كان فتاة أم فتى، لا يملك القدرة العقلية الكاملة أو المهارات العاطفية التي تمكنه من تحمل مسؤوليات الشراكة أو تربية الأطفال.
وتشير بيانات مركز الإحصاء الإيراني إلى تسجيل نحو 25900 حالة زواج لفتيات دون الخامسة عشرة في عام 2022، مقارنة بنحو 32 ألفاً في العام السابق، إلا أن باحثين يرون أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة كاملة لأن العديد من الزيجات تتم خارج السجلات الرسمية أو يتم الإبلاغ عنها في وقت متأخر.
انتقادات قانونية
وصفت المختصة القانونية سحر خاجه وند نموذج المنصة بأنه تسويق مباشر لزواج الأطفال، ورأت أنه يناقض روح الدستور الإيراني التي تؤكد ضرورة بناء أسرة مستقرة قائمة على النضج العقلي والرضا الكامل وليس على الفقر أو الإكراه أو الضغوط الاجتماعية، وتعتقد خاجه وند أن تركيز المنصة على امتثالها للقانون لا يلغي مسؤوليتها الأخلاقية والاجتماعية، خاصة في ظل غياب ضمانات تحمي الطفل من الزواج القسري أو الاستغلال.
ويرى ناشطون في حقوق الطفل أن ما كشفه التحقيق لا يمكن فصله عن الخطاب الرسمي في إيران خلال العقد الأخير، إذ ظل المرشد الإيراني علي خامنئي يدعو إلى رفع معدلات الإنجاب وتشجيع الزواج المبكر لزيادة عدد السكان إلى مئة وخمسين مليوناً بحلول عام 2050.
وانعكست هذه التوجهات في قانون تنمية السكان وحماية الأسرة الذي أقره البرلمان عام ألفين وواحد وعشرين، والذي فرض قيوداً على الأنشطة التي يرى أنها تحد من الإنجاب أو تشجع على تأخير الزواج، ويعتقد المدافعون عن حقوق الطفل أن مثل هذه السياسات خلقت بيئة قانونية واجتماعية تجعل حماية الطفل أمراً ثانوياً أمام الأهداف الديموغرافية.
دعوات لتشريع واضح
مع انتشار المنصات الرقمية وتنامي دورها في تشكيل العلاقات الاجتماعية، يحذر الخبراء من أن استمرار الثغرات القانونية سيجعل زواج الأطفال أكثر سهولة وانتشاراً، ويرى المدافعون عن حقوق الطفل أن تطبيق حظر قانوني واضح يمنع زواج من هم دون الثامنة عشرة هو الخطوة الوحيدة القادرة على الحد من استغلال هذه المنصات في إدراج القاصرين ضمن منظومة الزواج التقليدي أو العرفي، خاصة في البيئات التي تعاني من فقر شديد أو من ضغط اجتماعي لتزويج البنات في سن مبكرة.
يعد الزواج المبكر في إيران قضية متجذرة اجتماعياً وقانونياً، إذ ينص القانون المدني على عمر أدنى للزواج يبلغ ثلاثة عشر عاماً للفتيات وخمسة عشر عاماً للفتيان مع إمكانية الحصول على إذن قضائي لتزويج أطفال أصغر عمراً، وتواجه البلاد ضغوطاً متزايدة من منظمات حقوق الإنسان التي تطالب برفع الحد الأدنى إلى ثمانية عشر عاماً تماشياً مع الاتفاقيات الدولية.
كما تسجل بعض المحافظات الإيرانية أعلى نسب زواج مبكر في المنطقة نتيجة العوامل الاقتصادية والثقافية وضعف الإطار القانوني. وفي ظل انتشار المنصات الرقمية للزواج، يتخوف الخبراء من تحول هذه المنصات إلى قنوات إضافية لتطبيع زواج القاصرين ما لم تُجرَ إصلاحات قانونية واضحة تضمن حماية الأطفال وتعزز مبادئ الموافقة الحرة والنضج والمسؤولية.











